الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين عطف على جملة كذلك فعل الذين من قبلهم ، وهو تكملة لإبطال شبهة المشركين إبطالا بطريقة التفصيل بعد الإجمال لزيادة تقرير الحجة ، فقوله تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا بيان لمضمون جملة فهل على الرسل إلا البلاغ المبين .

وجملة فمنهم من هدى الله إلى آخرها بيان لمضمون جملة كذلك فعل الذين من قبلهم .

والمعنى : أن الله بين للأمم على ألسنة الرسل عليهم السلام أنه يأمرهم بعبادته واجتناب عبادة الأصنام ، فمن كل أمة أقوام هداهم الله فصدقوا [ ص: 150 ] وآمنوا ، ومنهم أقوام تمكنت منهم الضلالة فهلكوا ، ومن سار في الأرض رأى دلائل استئصالهم .

و ( أن ) تفسيرية لجملة ( فبعثنا ) ; لأن البعث يتضمن معنى القول ، إذ هو بعث للتبليغ .

والطاغوت : جنس ما يعبد من دون الله من الأصنام ، وقد يذكرونه بصيغة الجمع ، فيقال : الطواغيت ، وهي الأصنام ، وتقدم عند قوله تعالى يؤمنون بالجبت والطاغوت في سورة النساء .

وأسندت هداية بعضهم إلى الله مع أنه أمر جميعهم بالهدى تنبيها للمشركين على إزالة شبهتهم في قولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء بأن الله بين لهم الهدى ، فاهتداء المهتدين بسبب بيانه ، فهو الهادي لهم .

والتعبير في جانب الضلالة بلفظ " حقت عليهم " دون إسناد الإضلال إلى الله إشارة إلى أن الله لما نهاهم عن الضلالة فقد كان تصميمهم عليها إبقاء لضلالتهم السابقة " فحقت عليهم الضلالة " ، أي ثبتت ولم ترتفع .

وفي ذلك إيماء إلى أن بقاء الضلالة من كسب أنفسهم ، ولكن ورد في آيات أخرى أن الله يضل الضالين ، كما في قوله ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ، وقوله عقب هذا فإن الله لا يهدي من يضل على قراءة الجمهور ، ليحصل من مجموع ذلك علم بأن الله كون أسبابا عديدة بعضها جاء من توالد العقول والأمزجة واقتباس بعضها من بعض ، وبعضها تابع للدعوات الضالة بحيث تهيأت من اجتماع أمور شتى لا يحصيها إلا الله ، أسباب تامة تحول بين الضال وبين الهدى ، فلا جرم كانت تلك الأسباب هي سبب حق الضلالة عليهم ، فباعتبار الأسباب المباشرة كان ضلالهم من لدن خالق تلك الأسباب ، وخالق نواميسها في متقادم العصور ، فافهم .

[ ص: 151 ] ثم فرع على ذلك : الأمر بالسير في الأرض لينظروا آثار الأمم فيروا منها آثار استئصال مخالف لأحوال الفناء المعتاد ، ولذلك كان الاستدلال بها متوقفا على السير في الأرض ، ولو كان المراد مطلق الفناء لأمرهم بمشاهدة المقابر وذكر السلف الأوائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية