الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                682 وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا سلم بن زرير العطاردي قال سمعت أبا رجاء العطاردي عن عمران بن حصين قال كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس قال فكان أول من استيقظ منا أبو بكر وكنا لا نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ ثم استيقظ عمر فقام عند نبي الله صلى الله عليه وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال ارتحلوا فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فلما انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان ما منعك أن تصلي معنا قال يا نبي الله أصابتني جنابة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم بالصعيد فصلى ثم عجلني في ركب بين يديه نطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء قالت أيهاه أيهاه لا ماء لكم قلنا فكم بين أهلك وبين الماء قالت مسيرة يوم وليلة قلنا انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وما رسول الله فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها فاستقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته مثل الذي أخبرتنا وأخبرته أنها موتمة لها صبيان أيتام فأمر براويتها فأنيخت فمج في العزلاوين العلياوين ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تنضرج من الماء يعني المزادتين ثم قال هاتوا ما كان عندكم فجمعنا لها من كسر وتمر وصر لها صرة فقال لها اذهبي فأطعمي هذا عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك فلما أتت أهلها قالت لقد لقيت أسحر البشر أو إنه لنبي كما زعم كان من أمره ذيت وذيت فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا حدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا النضر بن شميل حدثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسرينا ليلة حتى إذا كان من آخر الليل قبيل الصبح وقعنا تلك الوقعة التي لا وقعة عند المسافر أحلى منها فما أيقظنا إلا حر الشمس وساق الحديث بنحو حديث سلم بن زرير وزاد ونقص وقال في الحديث فلما استيقظ عمر بن الخطاب ورأى ما أصاب الناس وكان أجوف جليدا فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة صوته بالتكبير فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ضير ارتحلوا واقتص الحديث

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( حدثنا سلم بن زرير ) هو بزاي في أوله مفتوحة ثم راء مكررة .

                                                                                                                قوله : ( فأدلجنا ليلتنا ) هو بإسكان الدال ، وهو سير الليل كله . وأما ( أدلجنا ) بفتح الدال المشددة فمعناه : سرنا آخر الليل . هذا هو الأشهر في اللغة ، وقيل : هما لغتان بمعنى ، ومصدر الأول إدلاج بإسكان الدال ، والثاني إدلاج بكسر الدال المشددة .

                                                                                                                قوله : ( بزغت الشمس ) هو أول طلوعها .

                                                                                                                وقوله : ( وكنا لا نوقظ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من منامه إذا نام حتى يستيقظ ) قال العلماء : كانوا يمتنعون من إيقاظه - صلى الله عليه وسلم - لما كانوا يتوقعون من الإيحاء إليه في المنام ، ومع هذا فكانت الصلاة قد فات وقتها ، فلو نام آحاد الناس اليوم وحضرت صلاة وخيف فوتها نبهه من حضره لئلا تفوت الصلاة .

                                                                                                                قوله في الجنب : ( فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتيمم بالصعيد فصلى ) فيه : جواز التيمم للجنب إذا عجز عن الماء ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقد سبق بيانه في بابه .

                                                                                                                قوله : ( إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين ) السادلة : المرسلة المدنية ، والمزادة معروفة وهي أكبر من القربة ، والمزادتان : حمل بعير ، سميت مزادة ؛ لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها .

                                                                                                                قوله : ( فقلنا لها : أين الماء ؟ قالت : أيهاه أيهاه لا ماء لكم ) هكذا هو في الأصول ، وهو بمعنى هيهات هيهات ، ومعناه البعد من المطلوب واليأس منه ، كما قالت بعده : لا ماء لكم أي ليس لكم ماء حاضر ولا قريب . وفي هذه اللفظة بضع عشرة لغة ذكرتها كلها مفصلة واضحة متقنة مع شرح معناها وتصريفها . وما يتعلق بها في تهذيب الأسماء واللغات . وقد تقدم أيضا ذلك .

                                                                                                                [ ص: 315 ] قوله : ( وأخبرته أنها مؤتمة ) بضم الميم وكسر التاء أي ذات أيتام .

                                                                                                                قوله : ( فأمر براويتها فأنيخت ) الراوية عند العرب هي الجمل الذي يحمل الماء ، وأهل العرف قد يستعملونه في المزادة استعارة والأصل البعير .

                                                                                                                قوله : ( فمج في العزلاوين العلياوين ) المج زرق الماء بالفم ، والعزلاء بالمد هو المشعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء ، وتطلق أيضا على فمها الأعلى كما قال في هذه الرواية : العزلاوين العلياوين ، وتثنيتها عزلاوان ، والجمع العزالي بكسر اللام .

                                                                                                                قوله : ( وغسلنا صاحبنا ) يعني الجنب هو بتشديد السين أي أعطيناه ما يغتسل به ، وفيه دليل على أن المتيمم عن الجنابة إذا أمكنه استعمال الماء اغتسل .

                                                                                                                قوله : ( وهي تكاد تنضرج من الماء ) أي تنشق وهو بفتح التاء وإسكان النون وفتح الضاد المعجمة وبالجيم ، وروي بتاء أخرى بدل النون ، وهو بمعناه والأول هو المشهور .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لم نرزأ من مائك ) هو بنون مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاي ثم همزة أي لم ننقص من مائك شيئا . وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة من أعلام النبوة .

                                                                                                                قولها : ( كان من أمره ذيت وذيت ) قال أهل اللغة : هو بمعنى كيت وكيت وكذا وكذا .

                                                                                                                قوله : ( فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا ) الصرم - بكسر الصاد - أبيات مجتمعة .

                                                                                                                قوله : ( قبيل الصبح ) بضم القاف هو أخص من قبل وأصرح في القرب .

                                                                                                                قوله : ( وكان أجوف جليدا ) أي رفيع الصوت يخرج صوته من جوفه ، والجليد القوي .

                                                                                                                [ ص: 316 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ضير ) أي لا ضرر عليكم في هذا النوم وتأخير الصلاة به ، والضير والضر والضرر بمعنى .




                                                                                                                الخدمات العلمية