الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                498 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو خالد يعني الأحمر عن حسين المعلم قال ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم واللفظ له قال أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا حسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب الحمد لله رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم وفي رواية ابن نمير عن أبي خالد وكان ينهى عن عقب الشيطان

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                فيه أبو الجوزاء عن عائشة - رضي الله عنها - قوله : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين ، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ، ولكن بين ذلك ، وكان [ ص: 159 ] إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا ، وكان يقول في كل ركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى ، وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم ) وفي رواية ( ينهى عن عقب الشيطان ) .

                                                                                                                ( أبو الجوزاء ) بالجيم والزاي واسمه أوس بن عبد الله البصري .

                                                                                                                قولها ( والقراءة بالحمد لله ) هو برفع الدال على الحكاية .

                                                                                                                قولها : ( ولم يصوبه ) هو بضم الياء وفتح الصاد المهملة وكسر الواو المشددة أي لم يخفضه خفضا بليغا بل يعدل فيه بين الإشخاص والتصويب قولها : ( وكان يفرش ) هو بضم الراء وكسرها والضم أشهر قولها : ( عقبة الشيطان ) بضم العين ، وفي الرواية الأخرى ( عقب الشيطان ) بفتح العين وكسر القاف هذا هو الصحيح المشهور فيه ، وحكىالقاضي عياض عن بعضهم بضم العين ، وضعفه وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه وهو أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع .

                                                                                                                أما أحكام الحديث فقولها : كان يفتتح الصلاة بالتكبير فيه إثبات التكبير في أول الصلاة ، وأنه يتعين لفظ التكبير لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وهذا الذي ذكرناه من تعيين التكبير هو قول مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى ، وجمهور العلماء من السلف والخلف ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : يقوم غيره من ألفاظ التعظيم مقامه .

                                                                                                                وقولها : ( والقراءة بالحمد لله رب العالمين ) استدل به مالك وغيره ممن يقول إن البسملة ليست من الفاتحة ، وجواب الشافعي - رحمه الله تعالى - والأكثرين القائلين بأنها من الفاتحة أن معنى الحديث أنه يبتدئ القرآن بسورة ( الحمد لله رب العالمين ) لا بسورة أخرى ، فالمراد بيان السورة التي يبتدأ بها ، وقد قامت الأدلة على أن البسملة منها . وفيه أن السنة للراكع أن يسوي ظهره بحيث يستوي رأسه ومؤخره ، وفيه وجوب الاعتدال إذا رفع من الركوع ، أنه يجب أن يستوي قائما لقوله - صلى الله عليه وسلم - : صلوا كما رأيتموني أصلي وفيه وجوب الجلوس بين السجدتين .

                                                                                                                قولها : ( وكان يقول في كل ركعتين التحية ) فيه حجة لأحمد بن حنبل ومن وافقه من فقهاء أصحاب الحديث أن التشهد الأول والأخير واجبان ، وقال مالك وأبو حنيفة - رضي الله عنهما - والأكثرون : هما سنتان ليسا واجبين ، وقال الشافعي رضي الله عنه : الأول سنة والثاني واجب ، واحتج أحمد - رحمه الله تعالى - بهذا الحديث مع قوله - صلى الله عليه وسلم - : صلوا كما رأيتموني أصلي وبقوله : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا صلى أحدكم فليقل [ ص: 160 ] التحيات والأمر للوجوب ، واحتج الأكثرون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك التشهد الأول وجبره بسجود السهو ، ولو وجب لم يصح جبره كالركوع وغيره من الأركان . قالوا : وإذا ثبت هذا في الأول فالأخير بمعناه ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمه الأعرابي حين علمه فروض الصلاة . والله أعلم .

                                                                                                                وقولها : ( وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى ) معناه يجلس مفترشا فيه حجة لأبي حنيفة - رضي الله عنه - ومن وافقه أن الجلوس في الصلاة يكون مفترشا سواء فيه جميع الجلسات ، وعند مالك - رحمه الله تعالى - يسن متوركا بأن يخرج رجله اليسرى من تحته ويفضي بوركه إلى الأرض .

                                                                                                                وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - : السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا إلا التي يعقبها السلام ، والجلسات عند الشافعي - رحمه الله - أربع : الجلوس بين السجدتين ، وجلسة الاستراحة عقب كل ركعة يعقبها قيام ، والجلسة للتشهد الأول ، والجلسة للتشهد الأخير ، فالجميع يسن مفترشا إلا الأخيرة ، فلو كان مسبوقا وجلس إمامه في آخر صلاته متوركا جلس المسبوق مفترشا لأن جلوسه لا يعقبه سلام ، ولو كان على المصلي سجود سهو فالأصح أنه يجلس مفترشا في التشهد ، فإذا سجد سجدتي السهو تورك ثم سلم . هذا تفصيل مذهب الشافعي - رحمه الله تعالى - ، واحتج أبو حنيفة - رضي الله عنه - بإطلاق حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا ، واحتج الشافعي - رحمه الله تعالى - بحديث أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري وفيه تصريح بالافتراش في الجلوس الأول ، والتورك في آخر الصلاة ، وحمل حديث عائشة هذا على الجلوس في غير التشهد الأخير للجمع بين الأحاديث . وجلوس المرأة كجلوس الرجل ، وصلاة النفل كصلاة الفرض في الجلوس . هذا مذهب الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى والجمهور ، وحكى القاضي عياض عن بعض السلف أن سنة المرأة التربع ، وعن بعضهم التربع في النافلة ، والصواب الأول ثم هذه الهيئة مستوية فلو جلس في الجميع مفترشا أو متوركا أو متربعا أو مقعيا أو مادا رجليه صحت صلاته وإن كان مخالفا .

                                                                                                                قولها : ( وكان ينهى عن عقبة الشيطان ) هو الإقعاء الذي فسرناه وهو مكروه باتفاق العلماء بهذا التفسير الذي ذكرناه ، وأما الإقعاء الذي ذكره مسلم بعد هذا في حديث ابن عباس أنه سنة فهو غير هذا كما سنفسره في موضعه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                قولها : ( وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ) سبق الكلام عليه في الباب قبله .

                                                                                                                قولها : ( وكان يختم الصلاة بالتسليم ) فيه دليل على وجوب التسليم فإنه ثبت هذا مع قوله - صلى الله عليه وسلم - : صلوا كما رأيتموني أصلي واختلف العلماء فيه ، فقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى وجمهور العلماء من السلف والخلف : السلام فرض ولا تصح الصلاة إلا به . قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي رضي الله عنهم : هو سنة لو تركه صحت صلاته .

                                                                                                                قال أبو حنيفة - رحمه الله [ ص: 161 ] تعالى - : لو فعل منافيا للصلاة من حدث أو غيره في آخرها صحت صلاته ، واحتج بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمه الأعرابي في واجبات الصلاة حين علمه واجبات الصلاة ، واحتج الجمهور بما ذكرناه وبالحديث الآخر في سنن أبي داود والترمذي مفتاح الصلاة الطهور وتحليلها التسليم ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد - رضي الله عنهم - والجمهور أن المشروع تسليمتان . ومذهب مالك - رحمه الله تعالى - طائفة المشروع تسليمة ، وهو قول ضعيف عن الشافعي - رحمه الله تعالى - ، ومن قال بالتسليمة الثانية فهي عنده سنة ، وشذ بعض الظاهرية والمالكية فأوجبها وهو ضعيف مخالف لإجماع من قبله . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية