الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  662 85 - حدثنا الفضل بن سهل، قال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يصلون لكم فإن أصابوا فلكم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن الإمام إذا لم يتم الصلاة وأتمها المقتدي فليس عليه شيء، وهو معنى قوله: (فإن أصابوا) يعني فإن أتموا، وبه صرح ابن حبان في رواية من وجه آخر عن أبي هريرة، ولفظه: يكون أقوام يصلون الصلاة، فإن أتموا فلكم ولهم، والأحاديث يفسر بعضها بعضا.

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: الفضل بن سهل بن إبراهيم الأعرج البغدادي من صغار شيوخ البخاري، مات قبل البخاري ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، ومات الفضل بن سهل [ ص: 229 ] ببغداد يوم الإثنين لثلاث ليال بقين من صفر سنة خمس وخمسين ومائتين، الثاني: الحسن بن موسى الأشيب أبو علي الكوفي سكن بغداد، وأصله من خراسان، ولي قضاء حمص والموصل ثم قضاء طبرستان، ومات بالري سنة تسع ومائتين، والأشيب بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة، الثالث: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مولى عبد الله بن عمر المدني، الرابع: زيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب، الخامس: عطاء بن يسار بفتح الياء آخر الحروف، وتخفيف السين المهملة، أبو محمد مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في موضعين، وفيه أن رواته ما بين بغدادي وكوفي ومدني، وفيه أن عبد الرحمن بن عبد الله من أفراد البخاري، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث انفرد به البخاري وأخرجه ابن حبان عن أبي هريرة من وجه آخر، وقد ذكرناه، وأخرجه الدارقطني عن أبي هريرة : سيليكم بعدي ولاة فاسمعوا وأطيعوا فيما وافق الحق، وصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم وإن أساؤوا فعليهم.

                                                                                                                                                                                  وفي (سنن أبي داود ) بإسناد حسن من حديث أبي هريرة مرفوعا: يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة . ورواه أبو ذر وثوبان أيضا مرفوعا، وروى الحاكم مصححا عن سهل بن سعد : الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه لا عليهم ، وأخرجه على شرط مسلم وأخرج أيضا على شرط البخاري عن عقبة بن عامر : من أم الناس فأتم، وفي نسخة: فأصاب فالصلاة له ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم ، وأعله الطحاوي بانقطاع ما بين عبد الرحمن بن حرملة وأبي علي الهمداني الراوي عن عقبة، وفي مسند عبد الله بن وهب عن أبي شريح العدوي : الإمام جنة، فإن أتم فلكم وله، وإن نقص فعليه النقصان ولكم التمام.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: ( يصلون ) أي الأئمة. قوله: ( لكم ) أي لأجلكم فاللام فيه للتعليل. قوله: ( فإن أصابوا ) يعني فإن أتموا يدل عليه حديث عقبة بن عامر المذكور آنفا، وقال ابن بطال : إن أصابوا، يعني الوقت فإن بني أمية كانوا يؤخرون الصلاة تأخيرا شديدا، قلت: يدل عليه ما رواه أبو داود بسند جيد عن قبيصة بن وقاص ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة . وما رواه النسائي وابن ماجه عن ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون ثم صلوا معهم، واجعلوها سبحة . وقال الكرماني : فإن أصابوا في الأركان والشرائط والسنن فلكم. قوله: ( وإن أخطؤوا )؛ أي: وإن لم يصيبوا. قوله: ( فلكم ) أي ثوابها ( وعليهم ) أي عقابها؛ لأن على تستعمل في الشر واللام في الخير، وقال أبو عبد الملك : قوله: (فلكم)، يريد ثواب الطاعة والسمع، وعليهم إثم ما صنعوا وأخطؤوا. وقيل: إن صليتم أفذاذا في الوقت فصلاتكم تامة إن أخطؤوا في صلاتهم وائتممتم بهم. وقال الكرماني : الخطأ عقابه مرفوع عن المكلفين، فكيف يكون عليهم؟ وأجاب بأن الأخطاء هاهنا في مقابلة الإصابة لا في مقابلة العمد، وهذا الذي في مقابلة العمد هو المرفوع لا ذاك، وسأل أيضا ما معنى كون غير الصواب لهم إذ لا خير فيه حتى يكون لهم، وأجاب بقوله: (معناه صلاتكم لكم)، وكذا ثواب الجماعة لكم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) قال المهلب : فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه؛ يعني: إذا كان صاحب شوكة، وفي (شرح السنة) فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين خلفه، وعليه الإعادة قلت: هذا على مذهب الشافعي كما ذكرنا أن المؤتم عنده تبع للإمام في مجرد الموافقة لا في الصحة والفساد، وبه قال مالك وأحمد، وعندنا يتبع له مطلقا يعني في الصحة والفساد، وثمرة الخلاف تظهر في مسائل، منها أن الإمام إذا ظهر محدثا أو جنبا لا يعيد المؤتم صلاته عندهم، ومنها أنه يجوز اقتداء القائم بالمومى، ومنها قراءة الإمام لا تنوب عن قراءة المقتدي، ومنها أنه يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، وبمن يصلي فرضا آخر، ومنها أن المقتدي يقول: سمع الله لمن حمده، وعندنا الحكم بالعكس في كلها، ودليلنا ما رواه الحاكم مصححا عن سهل بن سعد : الإمام ضامن ، يعني صلاتهم في ضمن صلاته صحة وفسادا، وقد استدل به قوم أن الائتمام بمن يحل بشيء من الصلاة ركنا كان أو غيره صحيح إذا أتم المأموم، قيل: هذا وجه عند الشافعية بشرط [ ص: 230 ] أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه، وقال قوم: المراد بقوله: (فإن أخطؤوا فلكم)، يعني صلاتكم في بيوتكم في الوقت، وكذلك كان جماعة من السلف يفعلون، روي عن ابن عمر أن الحجاج لما أخر الصلاة بعرفة صلى ابن عمر في رحله ووقف، فأمر به الحجاج فحبس، وكان الحجاج يؤخر الصلاة يوم الجمعة، وكان أبو وائل يأمرنا أن نصلي في بيوتنا ثم نأتي الحجاج فنصلي معه، وفعله مسروق مع زياد، وكان عطاء وسعيد بن جبير في زمن الوليد إذا أخر الصلاة صليا في محلهما ثم صليا معه، وفعله مكحول مع الوليد أيضا، وهو مذهب مالك، وفي (التلويح): وكان جماعة من السلف يصلون في بيوتهم في الوقت ثم يعيدون معهم، وهو مذهب مالك، وعن بعض السلف: لا يعيدون، وقال النخعي : كان عبد الله يصلي معهم إذا أخروا عن الوقت قليلا، وروى ابن أبي شيبة عن وكيع : حدثنا قسام، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن الصلاة خلف الأمراء، قال: صل معهم. وقيل لجعفر بن محمد : كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال: لا، والله ما كان يزيد على صلاة الأئمة، والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية