الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وقبلة العاجز عنها ) لمرض وإن وجد موجها عند الإمام أو خوف مال : وكذا كل من سقط عنه الأركان [ ص: 433 ] ( جهة قدرته ) ولو مضطجعا بإيماء لخوف رؤية عدو ولم يعد لأن الطاعة بحسب الطاقة ( ويتحرى ) هو بذل المجهود لنيل المقصود ( عاجز عن معرفة القبلة ) بما مر ( فإن ظهر خطؤه لم يعد ) لما مر ( وإن علم به في صلاته أو تحول رأيه ) ولو في سجود سهو ( استدار وبنى ) حتى لو صلى كل ركعة لجهة جاز ولو بمكة أو مسجد مظلم ، ولا يلزمه قرع أبواب [ ص: 434 ] ومس جدران ولو أعمى ، فسواه رجل بنى ولم يقتد الرجل به ولا بمتحر تحرى ; ولو ائتم بمتحر بلا تحر لم يجز إن أخطأ الإمام ، ولو سلم فتحول رأي مسبوق ولاحق استدار المسبوق واستأنف اللاحق ، ومن لم يقع تحريه على [ ص: 435 ] شيء صلى لكل جهة مرة احتياطا ، ومن تحول رأيه لجهته الأولى استدار ، ومن تذكر ترك سجدة من الأولى استأنف

التالي السابق


( قوله عند الإمام ) لأن القادر بقدرة الغير عاجز عنده لأن العبد يكلف بقدرة نفسه لا بقدرة غيره خلافا لهما ، فيلزمه عندهما التوجه إن وجد موجها ، وبقولهما جزم في المنية والمنح والدرر والفتح بلا حكاية خلاف ، وهذا بخلاف ما لو عجز عن الوضوء ووجد من يوضئه حيث يلزمه ، ولا يجوز له التيمم اتفاقا في ظاهر المذهب ، وقيل على الخلاف أيضا ، وقدمنا الفرق في باب التيمم فراجعه . وإذا كان له مال ووجد أجيرا بأجرة مثله هل يلزمه أن يستأجره عندهما كما قالوه في التيمم أم لا : لم أر من ذكره وينبغي اللزوم ، ثم رأيته في شرح الشيخ إسماعيل عن الروضة ، لكن بتقييد كون الأجرة دون نصف درهم ، فلو طلب نصف درهم أو أكثر لا يلزمه ، والظاهر أن المراد به أجر المثل كما فسروه بذلك في التيمم كما قدمناه هناك ( قوله أو خوف مال ) أي خوف ذهابه بسرقة أو غيرها إن استقبل ، وسواء كان المال ملكا له أو أمانة قليلا أو كثيرا ط ولم يعزه إلى أحد فليراجع ، نعم سيأتي في مفسدات الصلاة أنه يجوز قطع الصلاة لضياع ما قيمته درهم له أو لغيره ( قوله وكذا على من سقط عنه الأركان ) أي تكون قبلته جهة قدرته أيضا : فقال في البحر : ويشمل أي العذر ما إذا كان على لوح في السفينة يخالف الغرق إذا انحرف إليها ، وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الأرض مكانا يابسا أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه أن يركب إلا بمعين ولا يجده فكما تجوز له الصلاة على الدابة ولو كانت فرضا وتسقط عنه الأركان كذلك يسقط عنه التوجه إلى القبلة إذا لم يمكنه ولا إعادة عليه إذا قدر ا هـ فيشترط في جميع ذلك عدم إمكان الاستقبال ، ويشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر ، وإلا بأن خاف الضرر كأن تذهب القافلة وينقطع فلا يلزمه إيقافها [ ص: 433 ] ولا استقبال القبلة كما في الخلاصة ، وأوضحه في شرح المنية الكبير والحلية ، وقيد في الحلية مسألة الصلاة على الدابة للطين بما إذا عجز عن النزول ، فإن قدر نزل وصلى واقفا بالإيماء زاد الزيلعي : وإن قدر على القعود دون السجود أومأ قاعدا ، وأنه لو كانت الأرض ندية مبتلة بحيث لا يغيب وجهه في الطين صلى على الأرض وسجد وسيأتي تمام الكلام على الصلاة على الدابة في باب الوتر والنوافل إن شاء الله تعالى ( قوله ولو مضطجعا إلخ ) تعميم لقدرة : أي يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر ولو كان مضطجعا . قال الزيلعي : ويستوي فيه : أي في العجر الخوف من عدو أو سبع أو لص ، حتى إذا خاف أن يراه إن توجه إلى القبلة جاز له أن يتوجه إلى أي جهة قدر ، ولو خاف أن يراه العدو إن قعد صلى مضطجعا بالإيماء ، وكذا الهارب من العدو راكبا يصلي على دابته . ا هـ . ( قوله ولم يعد ) لأن هذه الأعذار سماوية حتى الخوف من عدو لأن الخوف لم يحصل بمباشرة أحد ، بخلاف المقيد إذا صلى قاعدا فإنه يعيد عندهما أبي يوسف كما في الشرح المنية ومر تحقيق ذلك في التيمم ، فينبغي أن يعيد هنا أيضا ، إذ لا فرق بين صلاته قاعدا أو إلى غير القبلة لأن القيد عذر من جهة العبد لأنه بمباشرة المخلوق تأمل . مطلب مسائل التحري في القبلة ( قوله هو ) أي التحري المفهوم من فعله ( قوله بما مر ) متعلق بمعرفة ، والذي مر هو الاستدلال بالمحاريب والنجوم والسؤال من العالم بها ، فأفاد أنه لا يتحرى مع القدرة على أحد هذه ، حتى لو كان بحضرته من يسأله فتحرى ولم يسأله إن أصاب القبلة جاز لحصول المقصود وإلا فلا لأن قبلة التحري مبنية على مجرد شهادة القلب من غير أمارة وأهل البلد لهم علم بجهة القبلة المبنية على الأمارات الدالة عليها من النجوم وغيرها فكان فوق الثابت بالتحري ، وكذا إذا وجد المحاريب المنصوبة في البلدة أو كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم لا يجوز له التحري لأن ذلك فوقه ، وتمامه في الحلية وغيرها . واستفيد مما ذكر أنه بعد العجز عن الأدلة المارة عليه أن يتحرى ولا يقلد مثله لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا ، وإذا لم يقع تحريه على شيء فهل له أن يقلد ؟ لم أره ( قوله فإن ظهر خطؤه ) أي بعدما صلى ( قوله لما مر ) وهو كون الطاعة بحسب الطاقة ( قوله وإن علم به ) أي بخطئه فافهم ( قوله أو تحول رأيه ) أي بأن غلب على ظنه أن الصواب في جهة أخرى فلا بد أن يكون اجتهاده الثاني أرجح ، إذ الأضعف كالعدم ، وكذا المساوي فيما يظهر ترجيحا للأول بالعمل عليه تأمل ( قوله استدار وبنى ) أي على ما بقي من صلاته ، لما روي { أن أهل قباء كانوا متوجهين إلى بيت المقدس في صلاة الفجر فأخبروا بتحويل القبلة فاستداروا إلى القبلة ، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك } وأما إذا تحول رأيه فلأن الاجتهاد المتجدد لا ينسخ حكم ما قبله في حق ما مضى شرح المنية ، وينبغي لزوم الاستدارة على الفور ، حتى لو مكث قدر ركن فسدت ( قوله ولو بمكة ) بأن كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأل فصلى بالتحري ثم تبين أنه أخطأ بحر ، وهذا هو الأوجه ، وعليه اقتصر في الخانية حلية ( قوله ولا يلزمه قرع أبواب ) في الخلاصة إذا لم يكن في المسجد [ ص: 434 ] قوم والمسجد في مصر في ليلة مظلمة ، قال الإمام النسفي في فتاواه جاز . ا هـ . وفي الكافي : ولا يستخرجهم من منازلهم . قال ابن الهمام : والأوجه أنه إذا علم أن للمسجد قوما من أهله مقيمين غير أنهم ليسوا حاضرين فيه وقت دخوله وهم حوله في القرية وجب طلبهم ليسألهم قبل التحري لأن التحري معلق بالعجز عن تعرف القبلة بغيره . ا هـ . ولا منافاة بين هذا وبين ما مر عن الخلاصة والكافي ، لأن المراد إذا لم يكونوا داخل المنازل ولم يلزم الحرج من طلبهم بتعسف الظلمة والمطر ونحوه شرح المنية ( قوله ومس جدران ) لأن الحائط لو كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره ، وعسى أن يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري بحر عن الخانية ، وهذا إنما يصح في بعض المساجد ، فأما في الأكثر فيمكن تمييز المحراب من غيره في الظلمة بلا إيذاء ، فلا يجوز التحري إسماعيل عن المفتاح ( قوله ولو أعمى إلخ ) قال في شرح المنية : ولو صلى الأعمى ركعة إلى غير القبلة فجاء رجل فسواه إلى القبلة واقتدى به ، إن وجد الأعمى وقت الشروع من يسأله فلم يسأله لم تجز صلاتهما وإلا جازت صلاة الأعمى دون المقتدي لأن عنده أن إمامه بنى صلاته على الفاسد وهو الركعة الأولى ا هـ ومثله في الفيض والسراج ، ومفاده أن الأعمى لا يلزمه إمساس المحراب إذا لم يجد من يسأله ، وأنه لو ترك السؤال مع إمكانه وأصاب القبلة جازت صلاته وإلا فلا كما قدمناه عن المنية ( قوله ولا بمتحر تحول ) أي إلى القبلة مع المقتدى بحالته الأولى : وعبارته في الخزائن . كمن تحرى فأخطأ ثم علم فتحول لم يقتد به من علم بحاله ا هـ أي لعلمه بأن الإمام كان على الخطأ في أول الصلاة بحر . ومفاده أنه لو تحول بالتحري أيضا إلى جهة ظنها القبلة جاز للآخر الاقتداء به إن تحرى مثله وإلا فهي المسألة الآتية تأمل ( قوله بمتحر ) متعلق بائتم ، وقوله بلا تحر متعلق بمحذوف حال من فاعل ائتم ( قوله لم يجز ) أي اقتداؤه إن ظهر أن الإمام مخطئ لأن الصلاة عند الاشتباه من غير تحر إنما تجوز عند ظهور الإصابة كما مر ويأتي ، وأما صلاة الإمام فهي صحيحة لتحريه ، وإن أصاب الإمام جازت صلاتهما كما في شرح المنية ( قوله استدار المسبوق إلخ ) لأنه منفرد فيما يقضيه ، بخلاف اللاحق لأنه مقتد فيما يقضيه والمقتدي إذا ظهر له وهو وراء الإمام أن القبلة غير الجهة التي يصلي إليها الإمام لا يمكنه إصلاح صلاته لأنه إن استدار خالف إمامه في الجهة قصدا وهو مفسد وإلا كان متما صلاته إلى ما هو غير القبلة عنده وهو مفسد أيضا فكذلك اللاحق شرح المنية : بقي ما إذا كان لاحقا ومسبوقا : وحكمه أنه إن قضى ما لحق به أولا ثم ما سبق به ، فإن تحول رأيه في قضاء ما لحق به استأنف ، وإن تحول في قضاء ما سبق به استدار ، وأما إن قضى ما سبق به أولا ثم ما لحق به ، فإن تحول رأيه فيما لحق به استأنف ، وإن تحول فيما سبق به ، فإن استمر على رأيه إلى شروعه فيما لحق به استأنف وهذا كله ظاهر ، وأما إن لم يستمر إلى شروعه فيما لحق به بأن تحول رأيه قبل قضاء ما لحق به إلى جهة إمامه ففيه تردد . والظاهر أنه يستدير تأمل ح وأقره ط والرحمتي ( قوله ومن لم يقع تحريه إلخ ) في البحر والحلية وغيرهما عن فتاوى العتابي تحرى فلم يقع تحريه على شيء ، قيل يؤخر ، وقيل يصلي إلى أربع جهات ، وقيل يخير . ا هـ . ورجح في زاد الفقير الأول حيث جزم به ، وعبر عن الأخيرين بقيل واختار في شرح المنية الوسط وقال إنه الأحوط ، ونقل ح عن الهندية عن المضمرات أنه الأصوب ، فلهذا اختاره الشارح . وظاهر كلام القهستاني ترجيح الأخير وهو الذي يظهر لي فإنه قال لو تحرى ولم يتيقن بشيء فصلى إلى أي جهة شاء كانت جائزة ولو أخطأ فيه ، وقيل إن لم يقع تحريه على شيء أخر الصلاة ، وقيل يصلي إلى الجهات الأربع كما في الظهيرية ا هـ ومفاده أن معنى التخيير أنه يصلي [ ص: 435 ] مرة واحدة إلى أي جهة أراد من الجهات الأربع ، وبه صرح الشافعية والحنابلة . وأما ما في شرح المنية الكبير من تفسيره بقوله ، وقيل يخير إن شاء أخر وإن شاء صلى الصلاة أربع مرات إلى أربع جهات فالظاهر أنه من عنده لأن عبارة فتاوى العتابي السابقة ليس فيها هذه الزيادة . ويرد عليه أنه إذا صلى إلى الجهات الأربع يلزم عليه الصلاة ثلاث مرات إلى غير القبلة يقينا ، وهو منهي عنه وترك المنهي مقدم على فعل المأمور ولذا يصلي بالنجاسة إذا لزم من غسلها كشف العورة عند الأجانب على أن المأمور به هنا ساقط لأن التوجه إلى القبلة إنما يؤمر به عند القدرة عليه وقبلة المتحري هي جهة تحريه . ولما لم يقع تحريه على شيء استوت في حقه الجهات الأربع فيختار واحدة منها ويصلي إليها وتصح صلاته وإن ظهر خطؤه فيها لأنه أتى بما في وسعه ، وهذا الوجه يقوي القول الأخير وهو التخيير على المعنى الذي ذكرناه عن القهستاني . ويضعف ما اختاره الشارح وادعى أنه الاحتياط فتدبر ذلك بإنصاف ، وللقول الأول الذي اختاره الكمال في زاد الفقير وجه ظاهر أيضا ، وهو أنه لما كانت القبلة عند عدم الدليل عليها هي جهة التحري ولم يقع تحريه على شيء صار فاقدا لشرط صحة الصلاة فيؤخرها كفاقد الطهورين . لكن القول الأخير وهو وجوب الصلاة في الوقت مع التخيير إلى أي جهة شاء أحوط كما لو وجد ثوبا أقل من ربعه طاهر ، ولعموم قوله تعالى - { فأينما تولوا فثم وجه الله } - فإنه قيل نزل في مسألة اشتباه القبلة ، وظاهر ما قدمناه عن القهستاني اختياره وبه يشعر كلام البحر ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة كما مر . مطلب إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط وقدمنا أول الكتاب عن المستصفى أنه إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط والله أعلم ( قوله استدار ) قال في شرح المنية : واختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه في الثالثة أو الرابعة إلى الجهة الأولى ، قيل يتم الصلاة ، وقيل يستقبل كذا في الخلاصة ، والأول أوجه ا هـ ولذا قدمه في الخانية لأنه يقدم الأشهر ، وجزم به القهستاني وتبعه الشارح ( قوله استأنف ) لأنه إن سجدها إلى الجهة الثانية فقد سجدها إلى غير قبلة لأنها جزء من الركعة الأولى والجهة الثانية ليست قبلة للركعة الأولى بجميع أجزائها وإن سجدها إلى الجهة الأولى فقد انحرف عما هو قبلته الآن . ا هـ . ح




الخدمات العلمية