الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          487 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          والأفضل أن يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وإن كان أنقص فضلا . [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                                          فإن استووا في القراءة فأفقههم .

                                                                                                                                                                                          فإن استووا في الفقه والقراءة فأقدمهم صلاحا فإن حضر السلطان الواجبة طاعته أو أميره على الصلاة فهو أحق بالصلاة على كل حال

                                                                                                                                                                                          فإن كانوا في منزل إنسان فصاحب المنزل أحق بالإمامة على كل حال إلا من السلطان .

                                                                                                                                                                                          وإن استووا في كل ما ذكرنا فأسنهم ؟ فإن أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك ، إلا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان ، أو بغير أمر صاحب المنزل على صاحب المنزل ، فلا يجزئ هذين ولا تجزئهم ؟ وقد ذكرنا حديث مالك بن الحويرث : { وليؤمكما أكبركما } وكانا في القراءة والفقه والهجرة سواء ؟ حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد هو القطان - ثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } .

                                                                                                                                                                                          ورويناه - أيضا من طريق عبد الله بن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                          وبه إلى مسلم : ثنا أبو سعيد الأشج ، ومحمد بن المثنى . قال الأشج : عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش . وقال ابن المثنى : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة . ثم اتفق شعبة والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود ؟ [ ص: 123 ] قال شعبة : سمعت أوس بن ضمعج يقول : سمعت أبا مسعود هو البدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة الباقية أبدا كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه } قال علي : وقال مالك : يؤم الأفضل وإن كان أقل قراءة - وهذا خطأ ، لأنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أنا نافع أنه سمع ابن عمر يقول " كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار في مسجد قباء ، فيهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو سلمة وزيد بن حارثة ، وعامر بن ربيعة " . قال علي : وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال " لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضعا بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 124 ] كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا " . قال علي : فهذا فعل الصحابة رضي الله عنهم بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم من الصحابة في ذلك .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن عمر قدم صهيبا ؟ قلنا : نعم ، وصار صهيب أميرا مستخلفا من قبل الإمام ، فهو أحق الناس يومئذ لأنه سلطان ؟ قال علي : وروينا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير فقال أبو سلمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم ، وإن كان أصغرهم سنا ، فإذا أمهم فهو أميرهم } .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو سلمة : فذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أجزنا إمامة من أم بخلاف ذلك - : لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين { أن أبا بكر الصديق صلى للناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى أحمد بن شعيب - : أنا علي بن حجر ثنا إسماعيل هو ابن علية - ثنا حميد عن أنس قال { آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم : صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع وحسن بن علي الحلواني جميعا عن عبد الرزاق أنا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حديث عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره - فذكر حديثا وفيه [ ص: 125 ] قال { فأقبلت معه - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم ، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين ، فصلى عليه السلام مع الناس الركعة الآخرة ، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم فقال : أحسنتم ، أو قد أصبتم ، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها } .

                                                                                                                                                                                          وبهذا الإسناد إلى ابن شهاب - : عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن حمزة بن المغيرة بن شعبة نحو هذا الحديث ، وفيه قال المغيرة : { أردت تأخير عبد الرحمن بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فبهذين الخبرين علمنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { يؤم القوم أقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة ، فإن استووا ، فأقدمهم سنا } : ندب لا فرض ; لأنه عليه السلام أقرأ من أبي بكر ، وعبد الرحمن ، وأفقه منهما ، وأقدم هجرة ، إلى الله تعالى منهما وأسن منهما ؟ وبهذين الأثرين جازت الصلاة خلف كل مسلم ، وإن كان في غاية النقصان ، لأنه لا مسلم إلا ونسبته في الفضل والدين إلى أفضل المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - : أقرب من نسبة أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف - وهما من أفضل المسلمين رضي الله عنهما - [ ص: 126 ] في الفضل والدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج هذا بدليله ؟ ولم نجد في التقدم على السلطان وعلى صاحب المنزل أثرا يخرجهما عن الوجوب إلى الندب ، فبقي على الوجوب .

                                                                                                                                                                                          بل وجدنا ما يشد وجوب ذلك - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال : { لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : مروا من يصلي بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائبا ، فقال : قم يا عمر فصل بالناس ، فتقدم وكبر ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته - وكان عمر رجلا مجهرا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : تزوجت امرأة فكان عندي ليلة زفاف امرأتي نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حضرت الصلاة أراد أبو ذر أن يتقدم فيصلي ، فجذبه حذيفة وقال : رب البيت أحق بالصلاة ، فقال لابن مسعود : أكذلك ؟ قال : نعم قال أبو سعيد : فتقدمت فصليت بهم وأنا يومئذ عبد ؟ وعن ابن جريج عن عطاء - في القوم يتنازلون فيهم القرشي والعربي والمولى والأعرابي والعبد ، لكل امرئ منهم فسطاط ، فانطلق أحدهم إلى فسطاط أحدهم فحانت الصلاة ، قال - : صاحب الرحل يؤمهم هو ، حقه يعطيه من يشاء .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية