الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هبة الرجل بيته في حياته لزوجته وابنه وابنته

السؤال

رجل في كامل عافيته، لديه زوجة، وبنت وابن غير بالغين، ويخاف إن هو توفي على ابنته، وزوجته، يخاف أن يباع السكن، ويجدا صعوبة في إيجاد مأوى، ويريد أن يهب طابقًا للابن، وطابقًا للزوجة والبنت معًا، فهل هذا جائز؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا حرج فيما سألت عنه من هبة الرجل بيته في حياته لزوجته، وابنه، وابنته، هذا إن كنت تعني الهبة حقيقةً، وليس الوصية.

والفرق بينهما أن الهبة تمليك في الحياة، والوصيةُ تمليك بعد الممات.

فإن كان الرجل سيهب لهم البيت في حياته، وهو في غير مرض مخوف، وحازوه في حياته، فهذه هبة صحيحة، ماضية، ولا حرج فيها.

وتتحقق حيازة الأولاد والزوجة للبيت، بأن يخلي الرجل متاعه من البيت عند المالكية، والحنابلة، والشافعية، خلافًا للحنفية، حيث لا يلزم عندهم للحيازة إخلاء البيت من متاع الواهب، إذا كان أبًا، جاء في الموسوعة الفقهية: فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَاهِبَ، فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ: تُخْلَى الدَّارُ الْمَوْهُوبَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلاَ يَسْكُنُهَا الْوَلِيُّ، فَإِنْ سَكَنَهَا، بَطَلَتِ الْهِبَةُ.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الأْبَ لَوْ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا، وَكَانَتْ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ (أَيِ: الْوَاهِبِ)، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ لَهُ، وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْهِبَةِ. لَكِنْ لَوْ أَسْكَنَهَا الأْبُ لِغَيْرِهِ بِأَجْرٍ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَجُوزُ. وَلَوْ أَسْكَنَهَا لِغَيْرِهِ بِدُونِ أَجْرٍ، جَازَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ...

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ خُلُوِّ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِهَا، وَاسْتَمَرَّتْ فِيهَا، فَإِنَّ الْهِبَةَ لاَ تَصِحُّ. وَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْهِبَةِ لِلأْجْنَبِيِّ، أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ. اهــ مختصرًا.

والمهم أيضًا أن يُطالبَ بالعدل في الهبة بين الابن والبنت، والعدل يتحقق بإعطاء البنت نصف ما يعطيه للابن عند جمع من أهل العلم، أو يعطيها مثل ما يعطيه للابن عند آخرين منهم.

فإذا كانت القسمة المذكورة في السؤال يتحقق بها هذا أو ذاك، فلا حرج.

وإن كانت القسمة لا يتحقق بها العدل، فالواجب أن يعدل، ولو بالهبة للبنت شيئًا آخر -كنقود مثلًا-، يكمل به النقص الذي في جانبها، قال ابن قدامة عن كيفية استدراك الهبة الجائرة: فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّتِهِ، أَوْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِيهَا، أَثِمَ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا رَدُّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا إتْمَامُ نَصِيبِ الْآخَرِ. اهـ.

وفي الروض المربع: فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ بِأَنْ أَعْطَاهُ فَوقَ إِرثِهِ، أَو خَصَّهُ، سَوَّى وُجُوبًا بِرُجُوعٍ، حَيْثُ أَمْكَنَ، أَوْ زِيَادَةٍ لِمَفْضُولٍ لِيُسَاوِيَ الْفَاضِلَ .. اهـ.

وانظر للفائدة، الفتوى رقم: 365728.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني