الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموعظة بعد دفن الميت

السؤال

كثر النقاش في مسألة الموعظة بعد دفن الميت عندنا في الجزائر؛ وأدّى ذلك إلى مناوشات عند القبر، فالواعظ يتخير ذلك الوقت للتذكير بالموت، حيث إن هناك من الحاضرين من لا يدخل المسجد، ولا يصلي إطلاقًا، فهذه فرصة من الفرص. والآخرون يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل"، فأرجو منكم أن توضحوا لنا هذا الإشكال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى عن حكم الموعظة عند الدفن، وهي برقم: 359155.

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: الموعظة عند القبر جائزة، على حسب ما جاء في السنة، وليست أن يخطب الإنسان قائمًا يعظ الناس؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خصوصًا إذا اتخذت راتبة، كلما خرج شخص مع جنازة قام ووعظ الناس، لكن الموعظة عند القبر تكون كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعظهم وهو واقف على القبر، وقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كُتِب مقعده من الجنة والنار"، وأتى مرة وهم في البقيع في جنازة ولما يلحد القبر، فجلس وجلس الناس حوله، وجعل ينكت بعود معه على الأرض، ثم ذكر حال الإنسان عند احتضاره، وعند دفنه، وتكلم بكلام هو موعظة في حقيقته، فمثل هذا لا بأس به، أما أن يقوم خطيبًا يعظ الناس، فهذا لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. اهـ.

وقال أيضًا: أما الخطبة عند الدفن في المقبرة، فلم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قام خطيبًا يخطب الناس، إنما ورد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى المقبرة، والقبر لم يلحد بعد، فجلس وحوله أصحابه، فجعل يحدثهم عن الإنسان حين احتضاره، وبعد دفنه، وكذلك كان قائمًا على قبر إحدى بناته وهي تدفن، فحدثهم عليه الصلاة والسلام، ولكن ليس بحديث قام فيه خطيبًا، أو واعظًا. اهـ.

ومن المهم أن ننبهكم إلى أن مثل هذه المسائل لا ينبغي أن تكون سببًا في تفريق الكلمة، وحصول مناوشات -كما ذكرت-، أو شجار وخصام بين الإخوة؛ فإن هذا منكر، لا يقل ضرره عن مفسدة ما يريدون إنكاره من الموعظة عند القبر.

وقد دل الشرع على أن سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، كما صح الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

واجتماع القلوب، والتآلف بين المؤمنين، مطلب شرعي عظيم، فلا يُعطل بسبب مسألة تحتمل الأخذ والرد.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني