الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجه الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بنيل الوسيلة مع أنها لا تنبغي إلا له

السؤال

فضيلة الشيخ: لدي عدة أسئلة: 1ـ هل منزلة الوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان الجواب بنعم، فما الحكمة من الدعاء للرسول صلى الله عليه بالفوز بمنزلة الوسيلة سواء كان ذلك قبل أن ينالها أو بعد ما نالها؟ وأيضاً إذا كان الجواب بنعم، فمتى أتت بشارة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المنزلة؟. 2ـ ما حكم من قال لأصحابه قبل أن يعلم بأن الوسيلة ستكون بإذن الله لأحد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم أو إبراهيم عليه السلام لكونهما خليلا الله سبحانه عز وجل . 3ـ هل ستكون منزلة سائر الأنبياء عليهم السلام في الفردوس الأعلى من الجنة مع الصحابة والشهداء والصالحين؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

1ـ فإن الوسيلة أعلى درجات الجنة، وهي لنبينا صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الشريف، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة. رواه مسلم وغيره.

وأما دعاؤنا له صلى الله عليه وسلم بنيل الوسيلة فلأن الله تعالى قدر له هذه المنزلة بأسباب منها الدعاء له بها كما سيأتي في كلام ابن القيم، ولأننا متعبدون به، وبالتالي، فنحن نفعله ولو لم تظهر حكمته رجاء الثواب من الله، وامتثالا لأمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة التوسل وغيره من كتبه نكتة في ذلك فقال: وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول وأخبر أن من سأل له هذه الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة، لأن الجزاء من جنس العمل، فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم، فإن الشفاعة نوع من الدعاء، كما قال: إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا.. فهو تعليم لأمته ما ينتفعون به في دينهم، وبسبب ذلك التعليم والعمل بما علمهم يعظم الله أجره، فإنا إذا صلينا عليه مرة صلى الله علينا عشراً، وإذا سألنا الله له الوسيلة، حلت علينا شفاعته يوم القيامة.

وأما قولك: فمتى أتت بشارة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المنزلة ـ فجوابه أننا لم نقف على نص قطعي من نصوص الوحي يقطع له صلى الله عليه وسلم بالبشارة بالوسيلة، ولكن أهل العلم ينصون على أنها له صلى الله عليه وسلم وقد استنبطوا ذلك من نصوص الوحي، قال ابن تيمية: فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة، وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو يرجو أن يكون ذلك العبد.

وقال ابن القيم في حادي الأرواح: ولما كان رسول أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية وأعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان، وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه.

وقال ابن علان الشافعي في شرح رياض الصالحين عند قوله صلى الله عليه وسلم: لا تنبغي إلا لعبد إلخ، فأوهم ندب طلب كل لها مع أنها مخصوصة بمن اتصف بكمال العبودية وهو سيد البرية.

وقال عطية سالم في شرح بلوغ المرام: ويقول صلى الله عليه وسلم: أرجو أن أكون أنا هو ـ يا سبحان الله! ومن يتقدم عليه إليها؟ ومن هو أحق بها منه؟ لا أحد، ولكن هذا تواضع منه مع رب العزة، ولم يأتل على الله بأنه صاحبها، ولكنه حسن الظن بالله، والتواضع بين يدي الله، وإن كان يعلم أنه أفضل الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وأنها لا تنبغي لغيره، ولكن تأدباً مع الله واحتراماً لقدرة الله وعطائه وحكم إرادته المطلقة، قال: أرجو ـ وهذا الرجاء حقيقة، ولن تكون إلا له.. ومعلوم أنه إذا كانت درجة واحدة فلا تكون إلا لواحد، ولن تكون إلا لسيد الخلق، وأحب الخلق إلى الله، وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: الوسيلة درجة عالية في الجنة أعلى ما يكون لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأرجو أن أكون أنا هو ـ وهذا الرجاء إن شاء الله تعالى سيكون محققا لأننا نعلم أن أفضل الخلق عند الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولأن أمة محمد تدعو الله بذلك بعد كل أذان والدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، كل الأمة تقول اللهم آت محمدا الوسيلة وأمة محمد جديرة بإذن الله إذا دعت أن يؤتي محمد الوسيلة أن يقبل الله منها ولهذا قال أرجو أن أكون أنا هو.

فهؤلاء وغيرهم متفقون على أن هذه المنزلة إنما تكون له صلى الله عليه وسلم.

2ـ وأما من قال بأنها ستكون بإذن الله لأحد الرسل.. قبل أن يعلم أنها خاصة به صلى الله عليه وسلم فنرجو أن لا يكون عليه من حرج، لكن على المسلم أن يتجنب الكلام فيما لا علم له به.

3 ـ أما سائر أنبياء الله الذين خصهم بوحيه واصطفاهم من خلقه فهم في أعلى درجات الفردوس، وانظر الفتوى رقم: 114496.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني