الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وموته سواء

السؤال

هل يجوز للمرأة أن تقول أتمنى أن أرى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامي وأن أضمه وأقبله، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء، وهل سنصافحه صلى الله عليه وسلم في الجنة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز للمرأة أن تقول هذا ولا أن تتمناه وذلك لأن هذا حكم مخالف للشريعة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء ولا مست يده الشريفة يد امرأة أجنبية قط، ومعلوم أنه لا يجوز تمني الحرام لا في نوم ولا في يقظة، وأيضاً فإن هذا ليس من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن رؤيا الرسول حق لقوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي.

فلا يجوز أن يتمنى الإنسان فيها ما لا يليق، لأنه صلى الله عليه وسلم له من التوقير والتعظيم ما ليس لغيره حتى بعد موته، وحرمته ميتاً كحرمته حياً، قال القاضي عياض في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته. ثم ذكر القاضي رحمه الله ما كان من الإمام مالك رحمه الله عندما قال لأمير المؤمنين أبي جعفر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ. ومدح قوماً فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ... وذم قوماً، فقال: إن الذين ينادونك. وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً فاستكان لها أبو جعفر.

وذكر القاضي رحمه الله أيضاً أنه: لما كثر على مالك الناس قيل له: لو جعلت مستملياً يسمعهم؟ فقال: قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. وحرمته حياً وميتاً سواء. وكان ابن سيرين ربما يضحك فإذا ذكر عنده حديث النبي خشع. وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي أمرهم بالسكوت، وقال: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله.

فهذه أخبار السلف -رضوان الله عليهم- وما كانوا عليه من تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، فكيف بعد هذا يتمنى الإنسان ما لا يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يليق بمكانته المقدسة، ولا يوافق شريعته المطهرة، بل وكيف يطمع مع هذا أن يراه؟ فإن رؤيته -صلى الله عليه وسلم- لا تتيسر لكل أحد، بل كلما كان الإنسان أتقى لله وأكثر اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان توقع رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر احتمالاً من غيره، ولكن لا يلزم من عدم الرؤية له عدم صلاح الشخص، ولا يلزم أيضاً من شدة التقوى والمتابعة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فالأمر في النهاية توفيق من الله تعالى، وفضل من الله يؤتيه من يشاء.

وأما مصافحة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فعلم ذلك عند علام الغيوب جل جلاله، لأن أمور الآخرة لا يدرك تفاصيلها على الحقيقة إلا رب العالمين، وينبغي ألا نشتغل بهذا بل على المرء أن يشتغل بما يبلغه الجنة فإذا بلغها فإن له فيها ما تشتهيه نفسه، وتقر به عينه، وللفائدة في ذلك تراجع الفتوى رقم: 71874، والفتوى رقم: 31854.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني