حدث في مثل هذا الأسبوع(20 - 26 من ذي الحجة)

10/07/2023| إسلام ويب

وفاة الشاعر الكبير والسفير الأديب عمر أبو ريشة 22 من ذي الحجة 1410هـ(1990م):
يعتبر عمر أبو ريشة من كبار شعراء وأدباء العصر الحديث وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي الحديث.
عمر أبو ريشة إنسان شاعر ودبلوماسي أديب حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن وللإنسان وللتاريخ العربي والإسلامي وعبر في أعماله وشعره عن ذلك بأرقي وأبدع الصور والكلمات والمعاني. 

كان أبو ريشة سفير أمته، لم تسيطر عليه الوظيفة التي كان يشغلها، ولكنه كان يحمل هموم أمته، يتغنى بأمجادها، ويتحدث عن تاريخها، ويصور آلامها وأحزانها ونكباتها، لم تصرفه السفارة عن أن يرفع صوته وعقيرته بأن يصور الأحداث وأن يذكِّرَ والذكرى تنفع المؤمنين بأن هذه الأمة كانت لها أمجاد، وكان لها تاريخ عميق، وكانت لها فتوحات، وكانت لها صولات وجولات، وكانت إمبراطورية قهرت الإمبراطوريات في عصرها الغابر، ثم دار الزمن دورته ففعل فعلته وتأخّرت هذه الأمة.
نشأته:
قضى الشاعر طفولته في حلب يدرس في مدارسها الابتدائية، ثم انتقل إلى بيروت لإتمام دراسته الثانوية في الجامعة الأمريكية.
وفي سنة 1930 أرسله أبوه إلى مانشستر ليدرس صناعة النسيج. ولكن الشعر كان أغلب في نفسه من دراسة صناعة النسيج. وهذا الذي دفعه أن يهجر دراسة صناعة النسيج ليعيش في أجواء الأدب الإنكليزي خلال إقامته في مانشستر ـ تلك الأجواء التي فتحت أمامه آفاقا جديدة في تفهم الأدب.
والغريب في أمر الشاعر، أنه لم يدرس علم العروض، ولكنه كان ذو أذن موسيقية عجيبة لا تخطئ، وهو يختار اللفظة المناسبة للمعنى الذي يريده، ومن هنا جاءت أشعاره في منتهى الدقة والفصاحة والانسجام.
وكان أبو ريشة يُنشد قصائده البكر، في الحفلات فيهزّ المنابر، ويخلب الألباب، ويقيم الحفل ويقعده، وكان يؤثر تأثيراً عجيباً في سامعيه ، فبنبرة من صوته الجهوري، أو بنظرة من وراء نظارته، كان يدفع الأيدي إلى التصفيق، والحناجر إلى الهتاف.
كان يقول الحق، ويدافع عن الحق، دون أن يخشى لومة لائم، أو يخاف سطوة ظالم، فالشجاعة النفسية فيه، تحدوه إلى الصراحة، وتجعله ينتقد المفسدين.

أصبح الشاعر مزعجا للحكام في دمشق فأرادوا التخلص منه فأرسلوه إلى الخارج، ولكن الشاعر الذي أبعد عن بلده لم يبتعد عن هموم وطنه وأمته.
فبدأ رحلته مع الدبلوماسية التي استغرقت نحو ربع قرن متنقلا بين قارات العالم ، فقد قضى معظم حياته الوظيفية سفيرا لسورية في البرازيل، والأرجنتين، وشيلي، والهند، والنمسا، وأمريكا.
عاد بعدما تقاعد إلى لبنان ليعيش فيه ولم يغادره، رغم الأوضاع الصعبة التي تسوده، إلا لفترات قصيرة من أجل العلاج في الخارج أو زيارة أولاده في المملكة العربية السعودية أو إلقاء محاضرات وقصائد في شتى البلدان.
أعماله:
للشاعر عمر أبو ريشة الكثير من الأعمال والمسرحيات الشعرية الهامة في تاريخ الشعر العربي الحديث.
فقد صدرت له الدواوين التالية:
- «شعر» - حلب 1936.
- «من عمر أبو ريشة» - بيروت 1947.
- «مختارات» - بيروت 1959.
- مجموعة شعرية بعنوان: «غنيْتُ في مأتمي» - دمشق 1971.
- «عمر أبي ريشة» (الأعمال الكاملة) - دار العودة - بيروت 1971.
- مجموعة شعرية بعنوان: «أمرك يا رب» - جدة 1980.
- مجموعة شعرية بعنوان: «من وحي المرأة» - دار طلاس - دمشق 1984.
و مما طبع له : "مسرحية ذي قار" ، أما آثاره غير المطبوعة فكثيرة، أهمها ملحمة البطولة في التاريخ الإسلامي، وهي مجموعة تزيد على اثني عشر ألف بيت من الشعر، ومسرحيتا "سميرا ميس" و"الحسين بن علي".

نماذج من أروع شعره:
في سنة 1948 حصلت نكبة فلسطين وكتب الشاعر عمر ابو ريشه قصيدته " بعد النكبة.."
ما زالت القصيدة تغنى حتى الآن ويستشهد بأبياتها..

يقول فيها:
أمـتـي هـل لكِ بينَ الأممِ  مـنـبـرٌ لـلسيفِ أو للقلمِ
أتلقاك وطرفي مطرق خجلا من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثا        ببقايا كبرياء الألم

..
أمـتـي، كـم صنمٍ مجدتهِ      لـم يكن يحملُ طهر الصنمِ
لا يُـلامُ الـذئبُ في عدوانه    إن ييك الـراعي عدوّ الغنمِ
فاحبسي الشكوى، فلولاكِ لما قام في الحكم عبيدُ الدرهمِ

و يقول فيها:
ألإسرائيل تعلو راية في            حمى المهد وظل الحرم !؟
كيف أغضيت على الذل         ولم تنفضي عنك غبار التهم؟
أوما كنت إذا البغي اعتدى       موجة من لهب أو من دم !؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها            تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت              ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها            لم تلامس نخوة المعتصم

ويقول من قصيدته (مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود) :
أســأل الـنفس خـاشعا أتـرى   طـهرت بـردي من لوثة الأدران
كـم صـلاة صـليت لم يتجاوز      قــدس آيـاتها حـدود لـساني!
كـم صـيام عـانيت جوعي فيه    ونـسيت الـجياع مـن إخواني!
كـم رجمت الشيطان والقلب مني  مـرهق فـي حـبائل الشيطان!
رب عـفوا إن عشت ديني ألفاظا    عـجـافا ولـم أعـشه مـعاني

ويقول عن أمنيته :
لي بعدُ يا ربّ من دنياي أمنيةٌ          تقتات بالوعد منها كلّ أشجاني
أردت أختم فيها العمر مقتحما         أحقادَ حطين في مضمارها الثاني
وأن أصلِّي وكف القدس تحمل لي رضاك في المسجد الأقصى وترعاني
ما كان أكرمها في العمر أمنية          ما كنت أحسبها تمضي وتنساني

ويقول عن القدس أيضاً :
يا رب ما ضـاع عهـد القـدس إن لـه قـومـي الأبـاة أعـادي كـل عـدوان
أمـانـة لـك لـن يـرمـوا بـحـرمـتـهـا   ولـن يـجـروا عـلـيـهـا ذيـل نسـيـان
أكـاد ألمـحـهـم فـي ظـل مسـجـدهـا       وخـالـد مـن سـنـا محـرابـه دان

وفاته:
توفي الشاعر عمر أبو ريشة في الرياض يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة عام 1410هـ، الموافق 14 /7 /1990م وتم نقل جثمانه ودفن في مدينة حلب في سوريا.

www.islamweb.net