الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عيد الشكر: حقيقتــه وحكمه

السؤال

أبحث عن تأصيل شرعي لما يسمى بعيد الشكر؟ وهل له علاقة بسقوط الدولة العثمانية؟ وما حكم الاحتفال به؟ فضلاً أرغب في معرفة الجواب ومصادره التي اعتمدتم عليها.
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعيد الشكر هو من جملة أعياد بعض طوائف النصارى، ويحتفل به الأمريكيون خاصة في الخميس الأخير من شهر نوفمبر كل عام، وليس له علاقة بسقوط الخلافة العثمانية.

وأصل هذا العيد أن أكثر من أربعمائة شخص استقلوا قارباً سنة 1620م، وأبحروا به عبر المحيط الأطلنطي ليستقروا في هذا المكان المكتشف حديثاً.

وكان هؤلاء القوم يتبعون كنيسة انجلترا، وقد ارتابوا في معتقداتها، فأرادوا الانفصال عنها، وربما يكون هذا هو السبب في إبحارهم إلى هذا المكان الجديد.

واستقر بهم المقام فيما يعرف الآن بولاية (ماساتشو سيتي)، وقد مر عليهم الشتاء الأول في هذا المكان الجديد مرورًا صعباً، فلم يكن لهم ما يزرعونه، ولم يكن ثَمَّ مياه صالحة للشرب، مما أدى ذلك إلى وفاة الكثيرين منهم.

وبعد فصل الشتاء تعلم هؤلاء القادمون الزراعة، وصيد الحيوانات والأسماك ممن يعرف بالهنود الحمر، وهم السكان الأصليون لهذا المكان.

وفي خريف 1621م حصدوا ما زرعوا، فأصابوا خيراً كثيراً، وفكروا في إقامة وليمة شكر على ما أصابوا من خير، فدعوا زعيم الهنود الحمر وآخرين، وأقاموا حفلا قدموا فيه الأطعمة والأشربة.

وقد صار ذلك عادة لهم كل خريف إلى أن أصبحت أمريكا بلداً مستقلاً، فأوصى مجلس الشيوخ لديهم بجعل يوم كل عام عيداً للشكر يحتفل به الأمريكان.

فهذا هو أصل ما يسمى بعيد الشكر، وأما عن الحكم الشرعي في هذا الأمر، فمن المعلوم أنه يشرع للعبد سجدة الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم، في الصحيح من أقوال أهل العلم، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أتاه أمر يُسَرُّ به خر ساجداً لله تعالى. رواه الخمسة إلا النسائي.

وقد سجد أبو بكر لما أتاه خبر مقتل مسيلمة، وسجد علي حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج، وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه.

وأما جعل يوم للاحتفال به، فإنه من جملة البدع والمحدثات، وهو من شعار الكفار، ولا يجوز الاحتفال بشيء يتخذه الكفار عيداً لهم وشعاراً.

فالأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهره.

ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- فأقل الأحوال أن تكون معصية لله -جلَّ وعلا-، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا. متفق عليه من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

والحديث يدل على اختصاص كل قوم بعيد يميزهم عن غيرهم، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة: 48}، وقال تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ {الحج: 67}.

ولذلك؛ لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فوجدهم يلعبون في يومين، ويلهون فيهما فسأل عن ذلك؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر. رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

ولما جاء رجل قد نذر أن ينحر إبلا له بمكان يسمى (بوانة) قال له صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم.

فهذا الحديث وسابقه يدلان على أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفل بعيد غير عيد الفطر والأضحى، ولا يجوز له أن يقصد مكانا اتخذ عيداً للكفار.

وأعياد أهل الكتاب على قسمين: قسم مشروع في أصل دينهم، فهذا لا يشرع الاحتفال به، لورود الأمر بمخالفة أهل الكتاب.

وقسم لم يشرع في أصل دينهم، بل ابتدعوه واخترعوه، فمن باب أولى أن يكون الاحتفال به غير جائز.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني