الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دراسة الطب على أعضاء بشرية مجهولة المصدر

السؤال

في دروس علم الأمراض في الجامعة، يتم على الشاشة عرض أشكال أعضاء حقيقية من الجسم، مثل: الكبد كاملا، ودماغ منفصل عن الجسم تمامًا، وأنسجة مستأصلة، سواء في الحالة الطبيعية، أو المرضية، وربما أسئلة الامتحان تحتوي على ذلك أيضًا.
فهل يوجد حرج في دراستها، على الرغم من كوني أجهل مصدر هذه الأعضاء؟ وهل هي من مسلم؟ أم من كافر؟
أرجو الجواب -يرحمكم الله- في أسرع وقت، لأنني متوقف حاليًا عن دراسة ما يعرض على الشاشة من هذا القبيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته ليس له تأثير في إباحة الدراسة، ولو فرض أن الأعضاء لجثة معتدى عليها دون حق، فليس في رؤية تلك الأجزاء مباشرة محرم، ولا إقرار له، ولا إعانة عليه، ومثل هذا السؤال أقرب إلى الوسوسة، والتعمق المذموم. وهو ما يلاحظ في أسئلتك السابقة.

فاحذر من مجاراة مثل هذه الوساوس، وننصحك بالبعد عن الغلو والتنطع في الدين؛ فإن ذلك مذموم شرعا، قال تعالى: يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ {النساء: 171}.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون. قالها ثلاثا.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: أي: المتعمقون الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. اهـ.

وفي سنن النسائي من حديث ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

قال ابن تيمية: ينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب، والسنة، وبالعلم، لا بالهوى؛ وإلا فكثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها، فيكون ذلك مما يقوي تحريمها، واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة، فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد، فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ـ وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين، وضعف عقل وعلم، وكذلك ورع قوم يعدون غالب أموال الناس محرمة، أو مشتبهة، أو كلها... وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة: كأحمد بن حنبل، وغيره، وذم المتنطعين في الورع، وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون، قالها ثلاثا... ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي في الصحيح لما ترخص في أشياء، فبلغه أن أقواما تنزهوا عنها، فقال: ما بال رجال يتنزهون عن أشياء أترخص فيها، والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله، وأخشاهم ـ وفي رواية: أخشاهم، وأعلمهم بحدوده له ـ ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب، والسنة، والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار، وأهل البدع من الخوارج، والروافض، وغيرهم. اهـ.

وانظر للفائدة الفتوى: 6777.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني