لدي وسواس يصدني عن التفوق الدراسي، فما الحل؟

2024-05-02 00:51:05 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.

أنا مصاب بوسواس قهري، راودتني فكرة في بالي أن السعي إلى الدرجة الكاملة في الامتحانات العامة هو من الحرام؛ لأن الكمال لله وحده، وأنا مجتهد في دراستي، وأسعى إلى التفوق دائمًا، وهذه السنة هي السنة الأخيرة في دراستي، وبعدها سوف أنتقل للجامعة، فيجب علي أن أحصد درجات كاملة لكي أدخل الكلية التي أرغب بها.

أرجو المساعدة في التغلب على هذا الوسواس.






الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هل يمكن لك أن تحصل على درجة كاملة بالامتحان بدون إرادة الله؟ بالطبع لا، إذًا الله يعلم ما هي الدرجة التي سوف تحصل عليها، وهو الذي يرشدك ويقويك للحصول على هذه الدرجة، والدرجة الكاملة في الامتحان ليس لها علاقة بصفة كمال الله عز وجل، فعلى ذلك لا يستطيع أي مسلم أن يحصل على درجة كاملة، ليس هذا وحسب، بل كلما قام بعمل يحاول عدم إتمامه لأن الكمال لله، وهذا خطأ.

إنّ الإنسان مأمورٌ بأداء العمل على أكمل وجهٍ، فإتقان العمل من واجباتهِ التي أوجبتها الشريعة الإسلاميةُ عليهِ، فالعمل أمانةٌ في يدِ الإنسان، وعليهِ صون هذهِ الأمانة، وقد وردت أحاديث عظيمة في ذلك منها: يقول رسول الله (ﷺ): (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [أخرجه أبو يعلى والطبراني].

وقد جَرَتْ عبارةُ (الكَمَالُ لله وَحْدَهُ) على الألسنة، واستقر معناها عقيدة في القلوب، بأن الكمال لله وحده، لا يَشرَكُهُ فيه غيرُه، ولكنَّ قوله (ﷺ): (كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كثيرٌ، وَلَمْ يَكمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مريم بنت عمرانَ، وَآسِية امرأة فرعونَ، وفضلُ عائشةَ على النِّساءِ، كفَضْلِ الثَّرِيدِ على سائِرِ الطَّعَامِ) [صحيح البخاري]. لقد جاء مصرحًا بأن الكمال ثابتٌ أيضًا لكثير من الرجال ولبعض النساء، مما أوهم وجودَ تناقضٍ بين هذا الحديث وبين تلك العبارة، التي تَقْصُرُ الكمال على الله وحده.

لذلك كره بعضُهُم أن يقال (الكَمَالُ لله وَحْدَهُ) خروجًا من تَوَهُّمِ التَّعارُضِ بين هذه العبارة، وبين الحديث الشريف.

والحق أنه لا تَعَارُضَ بينهما؛ لأنَّ الكمال المقصور على الله وحده في العبارة، هو غير الكمال المثبت للرجال والنساء في الحديث، (فالكمال المسندُ إلى الله تعالى) هو (كمالٌ حقيقيٌّ مطلق)؛ لأنه مضاف إلى الله سبحانه وتعالى، وهو مصدرُ الكمالات كلِّها، فَلَهُ عَزَّ وجَلَّ، كمالُ الرَّحمة وكمالُ القُوّة، وكمالُ الـمُلْكِ وكمالُ الإرادة وكمالُ القُدرَة وكمالُ العِلْم، وهو عز وجل الخالق البارئ المصوِّر المتفرّد بذاته وأسمائه وصفاته، الذي {ليس كمثله شيءٌ وهو السميعُ البصير} [الشورى:43].

أمَّا (الكمال المسند إلى البشر): فقد فهمنا من نصوص الكتاب والسنة؛ أن (النبوَّة) هي المرتبة التي جعلها الله تعالى غايةَ الكمال البشري في الرجال، وأن (الصدِّيقيةَ) هي المرتبةُ الثانية التي جعلها الله تعالى نهاية الكمال الإنساني في الرجال والنساء بعد الأنبياء، ومهما علا كمالُ الخلق، فهو دون كمالِ الخالق سبحانه.

ولا أَدَلَّ على الفرق بين كمال الخلق وكمال الخالق، من كون الكمال متفاوتاً بين البشر، فالرُّسُل الذين هم أكملُ البشرِ متفاضلون في الكمال، وكذلك الحال بالنسبة للصِّدِّيقاتُ من النساء؛ فقد ورد أن بعضَهُنَّ أفضلُ من بعض، قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة:253]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، وقال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة:75].

وما نوّه النبيُّ (ﷺ) بكمالِ مَنْ كَمُلَ من الرجال والنساء؛ إلا ترغيباً بِتَطَلُّبِ الكمال، وحـثّـاً على الرُّقِيِّ في سُلَّمِه صُعُداً بقدر المستطاع، ليكون للمجتهد في إحراز الكمالات مزيدا من الكمال.

بناء على ما سبق، عليك أن تجتهد لتحصل على أعلى وأكمل الدرجات؛ لأنه هناك فرق واضح بين كمال صفات الله، وبين كمال البشر.

وفقك الله لما يحبه ويرضاه.

www.islamweb.net