الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد التخفف من الرفاهيات وأخشى أن أظلم نفسي، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤالي: هل يجب عليّ تقليل ما أتناوله من طعام بمعدل صحي؛ طبعاً كي لا يكون ظلماً للنفس؟ وتقليل الرفاهيات تأدُبًا وخشية من أن أسأل أمام الله، أن هناك أخوة لي في الأرض يمرون بذلك الظلم الشديد، ويعلم الله أن ليس لي حيلة في نصرتهم سوى الدعاء؟ أم أن هذا الفعل يحسب جحودًا بالنعمة؟

شكراً جزيلاً، وجزاكم الله خيرًا، أسأل الله لي ولكم الجنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حبيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سؤالك يتناول جانبًا مهمًا يتعلق بالتوازن في الحياة، وكيفية التعامل مع النعم بشكل يرضي الله تعالى.

الإسلام يحث على الاعتدال وعدم الإسراف والتبذير في كل شيء، بما في ذلك الطعام، قال الله تعالى في القرآن الكريم: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: 31).

تقليل الطعام بمعدل صحي، وتجنب الإسراف، ليس بظلم للنفس، بل هو تطبيق لمبدأ الاعتدال والتوازن الذي يحث عليه الإسلام، كما في الحديث الشريف: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه"، مشيرًا إلى أهمية الاعتدال في الأكل.

بخصوص الرفاهيات: فالإسلام لا ينهى عن التمتع بنعم الله تعالى، بل يحث على شكر الله عليها، لكن في نفس الوقت، يجب على المسلم أن يكون واعيًا لمعاناة الآخرين، وأن يسعى لمساعدتهم بما يستطيع، سواء بالمال أو الدعاء أو أي وسيلة ممكنة، والإيثار هو أعلى درجات الجود، يقول الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءوا ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمۡ حَاجَةࣰ مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الحشر ٩]. هذه الآية من سورة الحشر تتحدث عن موقف أهل المدينة المنورة (الأنصار)، تجاه المهاجرين الذين قدموا من مكة المكرمة.

القصة وراء هذه الآية تعود إلى فترة الهجرة النبوية؛ حيث هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة هربًا من الاضطهاد الذي واجهوه في مكة، فعندما وصل المهاجرون إلى المدينة، كانوا بحاجة إلى الدعم والمساعدة لبدء حياتهم من جديد، أهل المدينة -أو الأنصار كما سُمّوا- استقبلوهم بكرم وحفاوة بالغة، الأنصار قدموا دعمًا ماديًا ومعنويًا، وشاركوا مع المهاجرين ممتلكاتهم وثرواتهم بسخاء شديد، هذا السلوك يُظهر عمق إيمانهم وتقواهم، وتفضيلهم لإخوانهم المهاجرين على أنفسهم، حتى لو كانوا في حاجة أو فقر.

قوله تعالى: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" يبرز تلك الروح العالية من الإيثار والتضحية، والعبارة الختامية "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" تؤكد أن النجاح والفلاح في الحياة يتحقق بتغليب مصلحة الآخرين، والتحرر من الأنانية والبخل.

هذا الموقف يعد نموذجًا عظيمًا للتعاون والأخوة في الإسلام، ويعلمنا السخاء والإيثار ومساعدة الآخرين، خصوصًا في أوقات الحاجة والضرورة.

الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، والخوف من السؤال أمام الله عن النعم، هو شعور يدل على حسن النية والخوف من الله، يمكنك من الموازنة بين الاستمتاع بنعم الله، وبين التقشف الذي يؤدي إلى تزكية النفس والخوف من الله.

في نهاية المطاف، القصد هو الاعتدال والتوازن، مع مراعاة حال النفس وحال الآخرين، والسعي للعمل بما يرضي الله ويخدم خلقه. وليس مطلوباً منك تقليل الطعام لحد الإضرار بنفسك، والله أعلم.

نسأل الله لنا ولكم الجنة والعمل الذي يقرب إليها.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً