الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع أحلام اليقظة المفرطة وسخط الوالدين؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، بعمر 22 سنة، أدرس في الجامعة، أعاني من أحلام اليقظة المفرطة منذ سنين عديدة، ولكن في السنوات الثلاث الأخيرة ساءت حالتي كثيراً، فأصبحت فاشلة في دراستي بعدما كنت متفوفة فيها، كما أن علاقاتي أصبحت سيئة جداً، خاصة علاقتي مع أمي التي أحبها كثيراً، أصبحت أقسو عليها وأغضبها وأجرحها، كما أني أصبحت أضربها، ولكني أندم كثيراً بعد فعل هذا.

أحاول كثيراً أن أمسك أعصابي، لكن لا أستطيع، حاولت مرات عديدة التخلص من أحلام اليقظة المفرطة التي أشعر أنها دمرت حياتي، لكني لم أستطع، خاصة وأن أمي أصبحت تقول عني بأني مسخوطة، وتدعو علي كثيراً.

أرجوكم ساعدوني، فنفسيتي متأزمة، ولا أدري ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية: لا أعرف كيف ستشعرين بالراحة وأنت تؤذين أمك ووصلت معها لمرحلة الضرب؟! فهل هذا هو الجزاء الذي تنتظره أمك منك بعد أن رعتك منذ طفولتك حتى كبرت؟

قبل أن نجيب على سؤالك أدعوك للتفكر في حالك مع أمك وأهمية برها، ووجوب ذلك عليك، فحل مشاكلك يبدأ من خلال الإحسان لها، فما تقومين به من كبائر الذنوب، ورضا الله في رضا الوالدين، وفي آيات كثيرة يأمر الله الأبناء ببر والديهم، يقول تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) إلى أن يقول (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) نهى الله عن مجرد قول أف! فما بالك وأنت تضربينها؟ ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة عاق)، فاحذري أن تنالي غضب الله بسبب عصيانك لوالدتك، فابدئي من الآن في فتح صفحة جديدة معها، بأن تعتذري منها وتقبلي رأسها، وتطلبي منها السماح والصفح عنك، ثم تقومي بما يرضيها، وتحتسبي ذلك الأجر عند الله، وعليك أن تتحمليها لو غلطت في حقك، فهي أمك وليس العكس.

أما أحلام اليقظة كمشكلة فهي انغماس الشخص بالأحلام في وقت غير مناسب، على نحو يتضمن عدم القدرة على التركيز، والمؤشر الأساسي لوجود مشكلة هو أن تعوق أحلام اليقظة عمل الشخص، وتزايد طول الفترة التي يقضيها الشخص في هذه الأحلام يوماً بعد يوم يعتبر مؤشراً على تفاقم المشكلة، ويلجأ الإنسان إلى أحلام اليقظة لعدة أسباب منها:

أولاً: إدراكه أن أحلام اليقظة أكثر إشباعاً له من حياته الواقعية: عندما يشعر أن حياته الواقعية صعبة جداً، أو أنها غير مُشبعة بشكل غير عادي، وفي هذه الحالة تُصبح أحلام اليقظة مهرباً ممتعاً.

ثانياً: الخجل: فالأشخاص الذين لا يستطيعون أحياناً الوصول إلى مبتغاهم في الحياة فإنهم يلجؤون إلى أحلام اليقظة، مثال ذلك الشاب الذي يُعجب بفتاة، ولكنه لا يستطيع الوصول إليها والتحدث معها، فتجده يتخيل أنه يحادثها، وأنهما اتفقا على الزواج والبيت والأولاد.

ثالثاً: أحلام اليقظة هي وسيلة لتفريغ الضغوط النفسية التي يواجهها الإنسان، ولا يستطيع التغلب عليها بالواقع، فيلجأ إلى أحلام اليقظة لأنها الطريق الأسهل للمواجهة.

إن أحلام اليقظة لها فائدة عندما تكون وسيلة للتخطيط والوصول إلى أهدافنا، مثال ذلك عندما تحلمين وتتخيلين أنك دكتورة في الجامعة، أو رئيسة الجامعة، وتمتلكين الإمكانيات التي تُساعدك على ذلك، وتبدئين بتحقيق هدفك، أما عدا ذلك فأحلام اليقظة مضيعة للوقت؛ لأنك ستستيقظين على الواقع الحقيقي الذي تعيشينه مع أهلك وبيتك وصديقاتك.

إذا لم تعي أن أحلام اليقظة هي تخيل تنسجينه بنفسك، فأنت ستنتقلين من حلم إلى حلم أكثر عمقاً، ويختلف عن الحلم الذي سبقه.

إن من أهم ما قمتِ بذكره في مشكلتك هو: ضربك لأمك! فهذه بحد ذاتها مشكلة أكبر وأعظم من مشكلة أحلام اليقظة التي تمرين بها، فهذا أمر يُغضب الله، وفيه عقوق للأم، وتعدي على كرامتها، وقد أمرنا الله وحثنا الرسول على طاعة الوالدين والإحسان إليهما مهما بدر منهما، وليس ضربهما والاعتداء عليهما.

على أية حال، فيما يلي إرشادات عملية نأمل منك تطبيقها للمساعدة في حل مشكلتك:

بالنسبة لضرب أمك: لا تعتدي على أمك بالقول أو الفعل، وتحكمي بأعصابك من خلال الابتعاد عن المكان الذي تتواجد فيه في تلك اللحظة، وفي كل مرة ينشأ خلاف بينكما كوني عقلانية في القول والفعل، فإذا انفعلت والدتك كوني هادئة، وإذا ذمتك أو انتقدتك فلا تردي عليها بالمثل، وتذكري أنها أمك، وإذا أردتِ أن تعبري عن عدم رضاكِ عن شيء قالته أو فعلته، فأول شيء تقومين به هو التبسم وعدم العصبية التي تضيع الحلول، وبعد أن تنتهي من كلامها اطلبي منها أن تسمعك.

الحوار بين الآباء وأبنائهم نقطة مهمة في التحول الإيجابي لتعديل السلوك الخاطئ.

بالنسبة لأحلام اليقظة:

أ‌- استثمري وقتك بأشياء مفيدة: فالتخيل عادة يزيد عند الإنسان عندما يمتلك وقتاً كبيراً دون عمل أو دراسة أو ممارسة هواية ما، لذا عليك ملء وقتك بأنشطة مفيدة، مثل قراءة القرآن الكريم، قراءة كتب مفيدة، المشاركة في أنشطة تتوافق مع شخصيتك، فإذا قمتِ بأعمال ونشاطات وقراءات مفيدة ستشعرين بأهمية ذاتك، وستهدأ أعصابك.

ب‌- إن وعيك على أن لديك مشكلة أساسها الإفراط في أحلام اليقظة، هذا بحد ذاته يشكل جزءًا كبيراً من العلاج، فأنت تعلمين أين تكمن المشكلة، ولكن ربما لازم أحلام اليقظة لديك بعض الاضطرابات التي أثرت في دراستك وحياتك بشكل عام، ومن هذه الاضطرابات الشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب، والتي نجمت عن الاستغراق في أحلام يصعب تحقيقها بشكل واقعيّ، مما يجعلك أكثر عصبية وعدوانية، لذا فأنت بحاجة إلى ممارسة التفكير الواقعي؛ لتخفيف أعراض القلق والتوتر والاكتئاب، وهذا يكون من خلال وضع أهداف عملية واضحة تقومين بإنجازها.

الانشغال بتحقيق أهداف قابلة للتحقق سيجعلك تركزين أكثر بما تقومين به، وتبتعدين عن عالم الأحلام الافتراضي الذي تعيشين فيه، مما يجعلك أكثر تصالحاً مع نفسك ومع الآخرين، وتعود الأمور إلى وضعها الطبيعيّ.

بناء على ذلك ضعي أهدافًا، واعملي بِجد على تحقيقها ضمن فترات محددة، مثل:
- سألتحق بدورة لتعلم إحدى اللغات الأجنبية.
- سأنتسب إلى ناد رياضي مسائي.
- سأقرأ قصة، رواية، أي كتاب.
- سأحقق مُعدلاً عالياً في دراستي الحالية.

وفقك الله -أختي الكريمة-.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً