الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين حضارتين ( نحن والآخرون )

بين حضارتين ( نحن والآخرون )

ذات مساء منصَرف الناس من صلاة المغرب ، وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما يمر بإحدى طرق المدينة، إذ رأى ثلاثة رجال يتناجون (أبو لؤلؤة المجوسي، والهرمزان، وجُفينة)، فلما اقترب منهم وألقى عليهم التحية، ظهر عليهم ارتباكٌ شديد، ووقع بينهم خنجرٌ على الأرض، كان الخنجر ذا شكلٍ مميز (له رأسان) بحيث لفت نظر عبد الرحمن بن أبي بكر، وتأمله تمامًا. ولكنه مضى لحاله، ولم يشغل باله كثيرًا بما رأى، من ارتباكهم الظاهر، والخنجر الغريب.
وفي فجر اليوم التالي وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يتقدم الناس إلى المحراب، ليؤمهم في صلاة الفجر، فوجئ المصلون بمن يبادر عمر بالطعنات الست القاتلة، ويتحامل عمر على نفسه، ويقول: أفيكم عبد الرحمن بن عوف؟ قالوا: نعم. قال: تقدم فصلِّ بالناس.
أحاط المسلمون بالقاتل، وقبضوا عليه، وفي القوم عبد الرحمن بن أبي بكر، فنظر في وجه القاتل، فإذا هو أبو لؤلؤة المجوسي، أحد المريبين الذين رآهم عشية هذا الصباح، ونظر إلى الخنجر الذي قُتل به عمر، فإذا هو نفس الخنجر الغريب الذي رآه مع الثلاثة، صاح عبد الرحمن بن أبي بكر قائلاً: هذا هو الخنجر الذي رأيته أمس، وحدَّث بما رأى من اجتماع أبي لؤلؤة والهرمزان وجُفينة.
أصغى عُبيد الله بن عمر إلى حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم جميعًا، وأيقن أن الثلاثة شركاء في قتل أبيه، فأخذ سيفه وقتل الهرمزان وجُفَينة، وقبض على عُبيد الله بن عمر، ابن أمير المؤمنين، وسجن في دار سعد بن أبي وقاص.
حتى إذا فرغ المسلمون من دفن أمير المؤمنين عمر، والبيعة لعثمان بن عفان، جلس عثمان ينظر في أول قضية في عهده.
قال عثمان رضي الله عنه: أشيروا عليَّ أيها الناس في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق؟؟
فقال عليٌّ: أرى أن تقتله!!
فقال بعضُ المهاجرين: قُتل أمير المؤمنين بالأمس، ويقتل ابنه اليوم!!
فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على الناس سلطان.
وعلا الناسَ وجومٌ وهمٌّ، (وأظلمت الدنيا بهم ثلاثَ ليالٍ)، هكذا وصف المؤرخون حالهم!! موقف عصيب!! أيقتل ابن أمير المؤمنين ودم أبيه لم يجف بعد؟ أم يعطل حدٌّ من حدود الله. وكان تفاوض وتشاور وتجادل (يعني حوار)!!!
وأخيرًا انتصر الرأي الذي ينادي بالقصاص وبقتل ابن أمير المؤمنين قصاصًا!!
ويروي الطبري بسنده (4/243) عن ابن الهرمزان قال: "لما ولي عثمان دعاني، فأمكنني من عُبيد الله بن عمر، ثم قال: يا بُنيَّ! هذا قاتل أبيك، وأنت أولى بقتله منَّا، فاذهب فاقتله. فخرجت به، وما في الأرض أحدٌ إلاَّ معي (أي خرج الناس وراءهما) إلا أنهم يطلبون إليَّ فيه (أي يرجونه العفو والاكتفاء بالدية، كما هو مفسَّر في روايات أخرى).
فقلت لهم: ألِي قَتْلُه؟
قالوا: نعم! وسبّوا عُبيد الله!!
فقلتُ ألكم أن تمنعوه؟
قالوا: لا. وسبّوه!!
فتركته لله ولهم، فاحتملوني؛ فوالله ما بلغتُ المنزل إلاَّ على رؤوس الرجال وأكفهم (تقديرًا لعفوه عن القصاص ورضاه بالدية).
· اغتيالٌ لرأس الدولة!! وليس مجرد محاولة فاشلة!! والمؤامرة (الأجنبية واضحة)، ومع ذلك لا يُقتل إلا القاتل وحده!! قالها عمر وهو في النزع: "لا تقتلوا غير قاتلي، ولا تمثلوا به".
· ويحاكم ابن أمير المؤمنين، ويحكم عليه بالإعدام، ويسلم لابن القتيل (الأجنبي) مع وجود القرائن القوية على اشتراك (الهرمزان) في الجريمة.
· وكل ذلك لا يُرضي المؤرخين المسلمين، فيعلِّق منهم من يعلِّق قائلاً:
"وكانت هذه أول ثغرة في الإسلام". يعني أول تهاون في تنفيذ حدّ الله!! ومع أن ولي الدم قد عفا عن القصاص، وهذا حقه شرعًا بنص القرآن الكريم، فكأن مؤرخنا العظيم استشعر أن هناك نوعًا من التأثير الأدبي أو الضغط النفسي قد تعرض له ولي الدم من أجل أن يعفو.
هذا نحن !!!
فانظر أين هم !!!

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة